الخميس، 29 سبتمبر 2011

ياقة المعطف


شد ياقة المعطف على عنقه كي يمنع تيار الهواء البارد من الدخول إلى جسده الدافئ  رغم احتياجه إلى ألم يفوق ألمه و قشعريرة باردة تنفض عنه جل و ربما كل ما يشعر به إن كان هذا ممكناً .. كان يقف في أحب بقعة له في الوجود , أمامه شمس الغروب البرتقالية التي انعكس ضيها في عينيه المتعبتين , عينين صار بياضهما أحمر عكراً من فرط السهر و البكاء و التحديق اللانهائي و الغير ذي فائدة في أي شاشة تشع ضوءاً .. نعم هو يبكي , كان يخجل من ذلك فيما مضى لكنه تعلم أن الخجل شعور مرفه جداً مقارنة بما يشعر به الآن .. ما يشعر به الآن ليس ألماً و ليته كان .. ليس يأساً كما تعود أن يكون .. ما يشعر به الآن ليس سوى أملاً و طموحاً تحطم بعنف حتى دخلت شظاياه  في عينيه , و ربما كان هذا هو السبب في عكارتهما الدموية و ليس الدموع , اذ كيف تصنع الدموع كل هذا ؟ كيف تحول الدموع عيناً نجلاء إلى بئر من الكآبة ؟
شد ياقة المعطف على عنقه مرة أخرى مع نسمة الهواء التي جاءت أقوى من سابقتها , تنسم عبير البحر الذي راحت الشمس تنحدر فيه رويداً رويداً .. بنفس البطء و النعومة التي يتمنى أن تنسحب بها روحه الآن  .. صحيح أنه في أحب الأماكن إلى قلبه و في أحب الأوقات لكنه في أسوأ و أحلك لحظة في حياته .. أتراها كذلك فعلاً ؟ إنه لمن المرعب تصور أن هناك أسوأ مما هو فيه الآن .. لا  , لتكن هذه هي اللحظة الأسوأ , أنا موافق !
شد ياقة المعطف للمرة الثالثة و هو ينفث الدخان من بين الشفاه الجافة التي كانت يوماً لا تفتأ تبتسم , كان الكل يحب ضحكته رغم آلامه العديدة . كان ساخراً و كانوا يقولون أن كل شئ يصبح بلا طعم بدونه . أين هم الآن ؟ و هل يا ترى لو أتوا أو ظهروا الآن سيشكل هذا فارقاً ؟ 
عاد ينفث الأبخرة من بين شفتيه , لا يعرف ان كانت أبخرة البرد أم السيجار التي أقسم ألا يقربها أم قلبه الذي يحترق لوعة و ما من شئ قادر على اطفائه مرة أخرى و لا حتى البرد المحيط به !
عقد ذراعية على صدره مستمتعاً بدفء جسده من الداخل تحت المعطف الثمين و برودة أطرافه التي يضربها هواء الشتاء .. آه , إنه الشتاء , انتظره طويلاً حتى يأتي إلى هنا .
حرك يديه على المعطف الأنيق ليجده مبللاً ببضع قطرات من الماء , لا يعرف أهو الندى أم زخات من مطر خفيف أم رذاذ الأمواج أم دموعه التي غافلته و سقطت من عينيه دون أن يدري ..
هبط بعينه إلى حذائه الأنيق الذي لوثته الرمال , قديماً كان سيجزع و يلقي بالأتربة يميناً و يساراً خوفاً على حذائه الرائع , أما الآن فقد داست الدنيا على قلبه و روحه ذاتها , حتى صارا متربين أكثر من هذا الحذاء , فأي شئ بعد هذا يهم ؟ هه ؟ أي شئ ؟
ملامحه الوسيمة التي لم يرها يوماً كذلك اكتست بطبقة سميكة من الجدية أضافته لعمره ضعف عمره , ملابسه الأنيقة التي حرص على اختيارها بدقة .. كل الأشياء التي كانت تجلب له الحقد و الحسد من كل من حوله . فقط لو يعرفون ما تخفيه الملامح الوسيمة من عقد نفسية , و الملابس الأنيقة من أمراض تركت أثرها على الجسد المتهالك رغم حداثة السن ! فقط لو يعلمون , لكفوا عن زيادة ألمه بحسده على ما لا يملك ..

كانت عينيه لا تزالا معلقتين بالحذاء ذي اللون الترابي الذي كان منذ نصف ساعة فقط في سواد الأبنوس , سرحت عينيه في الأشكال العشوائية المزخرفة على الرمال نصف الناعمة .. كأنها رسوم سيريالية .. ابتسم في سخرية و هو يذكر أنه هو أيضاً كان يرسم , و كان الكل يشيد برسمه , كان فناناً ! لكنه كف عن الرسم فجأة لسبب لا يعلمه أحد , منذ عام و هو لا يفعل ما يحب و لا ما يفترض به أن يفعل دون سبب منطقي أو حتى غير منطقي ..
حرك قدميه ناثراً الرمال هنا و هناك في حركات يائسة كأنها رفسات الموت , كان يحاول أن يرسم بقدميه بعد أن عجز عن الرسم بيديه , لدهشته كان الشكل الذي رسمه جميلاً , ربما جدير بالتصوير كذلك .. لكنه تذكر أنه لا يملك كاميرا ,  لا يملك حتى سعة في عقله كي يخزن الصورة الجميلة .. أي جمال و قد انتهى من حياته كل جمال ؟ و بات عاجزاً أصلاً عن رؤية الجمال ! أي جمال ؟!
وجد نفسه يتشنج و يضغط أسنانه في غل و هو ينثر الرمال كالناقة الغاضبة حتى أن الرمال دحلت في عينيه بقوة كادت تدميها و تخدش سطحها الذي كان يوماً أبيض .. دمعت عيناه قليلاً .. ثم بقوة .. ثم بعنف .. بطريقة لم يفهم معها ما سر كل هذا البكاء ! على الأقل هو لا يزال قادراً على إمتاع نفسه و الاختلاء بها و لو قليلاً , على الأقل سوف يمني نفسه بوجبة يحبها و مكان يعشقه يزوره غداً .. و غداً يحلها الحلال كما يقولون , لا زال لديه أمل رغم كل شئ , لازالت المتع الصغيرة تجدي نفعاً معه , و تفعل فعل المخدر حتى يبتسم في بلاهة منتظراً معجزة من السماء تأتي و تحل مشاكله الكبرى , على الأقل ما زال يملك القدرة على الأمل و الحلم ..رفع ذراعه كي يمسح وجهه و عينيه من الرمال و الدموع على سطح المعطف , لكنه بدلاً من الملمس الصوفي الناعم وجد ملمساً قطنياً مهترئاً ذي رائحة مكتومة .. رمش بعينه لتطالعه الغرفة الضيقة و مروحة السقف التي تصيبه بالصداع و لا تخفف الحرارة .. اكتشف أنه لازال في أواسط الصيف , و أن نتيجة الحائط تشير إلى أكثر شهر يكرهه على مدار السنة , و أنه في غرفته لا يزال عاجزاً عن الإتيان بخطوة بسيطة مثل السفر إلى تلك المدينة التي يحبها .. اكتشف أن أكثر من شهر لايزال يفصله عن الشتاء , و أن محفظته لا تحوي ما يكفي كي يسافر حيث يريد و لو بتذكرة ذهاب فقط .. اكتشف أنه غارق في الدموع و العرق و أنه كان يحلم ..
رفع يده كي يضم ياقة المعطف الوهمية الذي لا بد و أن العثة صنعت منه مفرشاً مخرماً الآن , هرش عنقه و أزاح العرق اللزج , و أغمض عينيه مرة أخرى و نام ...
فقط لو تخرج روحه  من جسده بنفس البطء و النعومة التي كانت الشمس تغيب بهما في حلمه !

الشيماء السيوفي

بدعة البدعة


يؤرقني اليوم سؤال , سؤال و أريد أن يجيبني عليه أحد , أي أحد , بشرط أن تكون اجابة منطقية مقنعة و لا تتسب في رفع ضغط  دمي لأني مش ناقصة !
لماذا يصر بعض المتدينون – أو أشباه المتدينون- على أشياء معينة...؟!
و كلمة أشياء هذه لم تأت اعتباطا أو لأنني لم أجد كلمة أخرى أضعها مكانها , و لكن لأنه لا يوجد فعلا كلمة تسع أو تصلح لوصف كل ما يفعله هؤلاء "المتدينون"!!
الغريب أن كل تلك "الأشياء"  و التي يصرون عليها جميعا ليست منطقية بالمرة و هو أمر واضح لأي طفل , و يمكن لأي واحدة مثلي ,لم تتلق تعليمها في الأزهر مثلا أو في أي معهد ديني و اعتمدت فقط على قراءتها الدينية العامة , أن تنسفها نسفا !
لنأخذ مثلا .. على سبيل المثال لا الحصر :
الاصرار المبالغ فيه أو الغير المنطقي على استخدام اللغة العربية الفصحى...
طبعا سأحاول أن أسيطر على أعصابي , و أن أتحمل العبارات الجارحة التي تسبني غالبا أو تنعتني بأنني متأمركة أو متفرنجة .
أي شخص قد يفسر كلامي على أنني ضد اللغة العربية مثلا . و لكنني – للأسف- سأخيب ظن كل من كانوا ينتظرون الجنازة ليشبعوا لطما و أقول أنني أحب اللغة العربية جدا , ليس فقط لأنها لغة جميلة  قوية معبرة فحسب , و لكن لأنها أيضا لغة القرآن و لغتي الأم...
و أنا معارضة و بشدة لكل المتجهين إلى طريقة التقليد الأعمى و الذي يجعلنا نسخ باهتة لا منطقية من حضارات أخرى . و لكنني أيضا ضد "الفزلكة" و محاولة تعظيم النفس و تحقير الآخرين . ضد الأبراج العاجية التي يضع البعض أنفسهم بداخلها  و القوالب الجاهزة التي يريدون وضعنا نحن فيها .
ضد اللا منطقية و اللامصدقاية التي صرنا إليها.
لماذا – بالله عليكم- يصر أولئك الشيوخ أو الدعاة أو أي شخص تظهر صورته على التلفاز أو سجل صوته على شريط على أن يتحدث بتلك اللغة العربية الفصحى (التي تخرج عن القواعد الصحيحة أحياناً) ؟
طبعا لو سألت أحدهم هذا السؤال سينظر لي بقرف و يرد علي – ان رد- من أنفه قائلا:
" لأنها لغة القرآن و لأننا نتأسى في ذلك بسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام"
طبعا كلمة "سيدنا" هذه من عندي لأن الكثيرين من هؤلاء العباقرة يقولون (محمد) فقط باعتبار أنهم وصلوا طبعا إلى المكانة التي تسمح لهم بذلك . عامة هذا ليس موضوعنا , ربما نتطرق إليه فيما بعد و لكن ليس الآن .
نعود إلى موضوعنا...
عندما تأسى أولئك العباقرة بسيد الخلق  عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام لم ينتبهوا إلى نقطة هامة جدا ..
أن سيدنا (محمد) كان يتحدث إلى أصحابه باللغة العربية لأنها كانت- ببساطة- اللغة التي يتحدث بها أصحابه (رضي الله عنهم) .
عندما أراد عليه الصلاة و السلام أن يشرح لهم تعاليم الإسلام شرحها لهم بلسانهم , باللغة التي يفهمونها و بالطريقة التي اعتادوا عليها . لكن ما الذي يدفعنا اليوم إلى التحدث بنفس اللغة و نفس الطريقة ؟!
اذا كانت شريحة كبيرة جدا من المجتمع المصري تتكون من الأميين (للأسف) و تقابلها شريحة أخرى من المتأمركين الذين يفضلون التحدث بالانجليزية أو أية لغة أجنبية أخرى ! اذا كان هذا هو جل المجتمع المصري فمن يخاطب هؤلاء السادة الأفاضل؟!
و حتى لو كانت نسب الأميين و المتأمركين في مصر ليست بالكبيرة , حتى و ان كانت دقيقة صغيرة جدا بل و مجهرية...أليست هاتين الفئتين أجدر الفئات بالارشاد الديني ؟!
تعال معي لنلق نظرة سريعة على الفئتين و ستفهم ما أقصد .
الفئة الأولى : الأميون.. أمي أي لا يجيد القراءة و لا الكتابة . تريد أن تأتي بشخص لا يفك الخط ثم تحدثه بالفصحى و تريده أن يقتنع بكلامك بل و ينفذه , هذا طبعا ان فهمه أولا !
جميل.. جميل جداً.. ربما استطاع البعض الوصول إلى هذا الاعجاز , و كل مشكلتي أنا أن معلوماتي قاصرة بعض الشئ .جائز ,كل شئ جائز , لكنه يصعب علي بعض الشئ أن أتخيل (أم ابراهيم) زوجة البواب تجلس أمام الشيخ الفقيه و تنصت إاليه و هي تهز رأسها استحساناً , ما أتخيله هو أن وجهها في الغالب سوف يتقلص في عدم فهم و هي تلفع (ابراهيم) الرضيع على كتفها و تشيح بيدها الأخرى قائلة :
" يا عم ده بيتكلم بالنحوي...!"
و جملة (أم ابراهيم) تلك تعني شيئين : أولاهما طبعا و الأكثر وضوحا أنها لاتفهم ما يقوله هذا الرجل , أو على الأقل نسبة كبيرة منه . و ثانيهما : و هو معنى في باطن الكلام .."لماذا لا يتباسط هذا الرجل و يكلمنا بطريقة نفهمها ؟"
ربما كانت (أم ابراهيم) ترغب أو لا ترغب في معرفة ما يقوله الشيخ الفاضل لكنها في كلتي الحالتين لن تفهم حرفا .
نأتي للفئة الثانية :المتأمركون , و كلمة متأمرك هذه لا تعني بالضرورة شيئا محددا أو تصف أناس بعينهم , انما هي لفظة أطلقتها مجازا على كل أولئك الذي يستمتعون بالكلام بأية لغة فيما عدا العربية , بعضهم يرى التحدث بالعربية " بيئة" , و البعض الآخر لا يجيد التحدث بها أصلا , في الحالتين فإنه من المستحيل أن تقنع (أيتن) أن تكف عن الثرثرة مع (غالية) قليلا لتستمع إلى فضيلة الشيخ .تلقائيا سيتقلص وجهها أيضا استنكارا و ستشعل سيجارتها بيد بينما تلوح بالأخرى قائلة:
" شيخ مين؟ ده بيقول ايه ده أصلا؟!"
المصيبة أن جمل كهذه اذا وصلت إلى فضيلة الشيخ فهي لن تفعل به سوى أنها ستجعل وجهه يحمر و لحيته الطويلة تهتز و هو يسب و يلعن الجهلة و الفاسقين المارقين العصاة...الـ...الـ...و سينسى تماما أن مهمته هي دعوة الناس إلى الطريق القويم , ومادام يدعوهم إليه فهم في الغالب لا يعرفونه , يعني أنه من المفترض أن ينزل جنابه من برجه العاجي  إليهم قليلا و يحدثهم بطريقتهم كي يصل إلى قلوبهم و عقولهم .
لا أقصد طبعا أن يربط الشيخ رأسه بمنديل و يساعد (أم ابراهيم) في تنقية الأرز , و لا أن يمسك بقداحته ليشعل بها سيجارة (أيتن).
لا أطلب منه أن يمط الكلام مثل (أم ابراهيم) و لا أن يترجم كل كلمة يقولها لـ (أيتن) إلى الفرنسية و لـ(غالية) إلى الانجليزية .
و لكن أطلب منه أن يحدثهم على الأقل بلغة يفهمونها . بالعامية المصرية , و بالطريقة اعتادوا عليها , دون مبالغة و لا اسفاف .
و الا فلمن يوصل كلمته اذن ؟!
اذا كان رأي ذلك الشيخ الفاضل- أيا كان اسمه- أن هؤلاء الناس أكثر جهلا أو غباء أو فسوقا من غيرهم فهم أحق بدعوته و هم أحق أن يحاول اقناعهم , ليس لأننا نطلب منه أن يتذلل لهم لا سمح الله , و لكن لأننا نريد اصلاح المجتمع فعلا , نريد أن نقنع (أم ابراهيم)  ألا تدع أطفالها يجرون حفاة عراة في الشارع , يضربون هذا و يتناوشون مع ذلك , أو يتسلون بخدش السيارات و تحطيم زجاجها. نريد أن نقنع (غالية) أنه لن يضيرها تطويل تنورتها و توسيع قميصها قليلا . ننصحها ألا تضيع وقتها و مالها في التفاهات , أن تكف عن النميمة مع صديقاتها و لو قليلا .
أجل , نقنعهم ,لا مانع أن نقنعهم , لأنهم مقتنعون مسبقا بما يفعلون و لا يرونه خطئاً . ربما لأنهم لا يعلمون و في حاجة إلى التنبيه باللطف و الاقناع , فبالله عليك كيف تقنع شخصا بشئ ما و أنت تتحدث بلسان مختلف عنه ؟؟
و لكن هل تعرف ما هو الأسوأ و الأكثر تأثيرا من اللغة التي تتحدث بها ؟
طريقة كلامك !
أجل طريقة كلامك
لسبب ما يعتبرنا هؤلاء السادة الأفاضل , احم ,حقا لا أدري ماذا يعتبروننا , لأنني أظن أنه حتى الحيوانات لا تستحق تلك المعاملة . ذلك الصراخ الهمجي الغير مبرر بكلام غير مفهوم و الذي يشعرك أنك في الدرك الأسفل من النار .صحيح أنك لا تعرف السبب و لكنك مقتنع تماما أن النار هي مثواك لأنك كنت وغدا حقيرا طوال حياتك . هذا طبعا لو استطعت أن تفهم كلمة واحدة سليمة وسط هذا السيل من الصراخ الذي زادوه سوءا بخاصية الصدى . فصرت و كأنك تسمع الصرخة الواحدة ثلاث أو أربع مرات !
لن أطيل التعليق هنا...تكفيني هذه الآية...
(( لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك))

تريد مثالا آخر؟ شيئا مستفزا آخر يصر عليه "المتديونون"...؟ حسنا..إليك به...
سميته مجازا .."بدعة البدعة".. و السبب وراء التسمية سهل .. تابع معي و ستعرف حالا.........
هل تعرف عندما" يغلب حمارك"؟ أو عندما تعجز عن ايجاد رد مناسب لشخص ما ؟انك في تلك اللحظة تلجأ إلى أي ميكانيزم دفاعي كأن ترفع صوتك مثلا أو تبدأ بالسباب . أو, أن يكون عندك ردا جاهزاً...الشماعة التي تعلق عليها أي معطف يأتيك مهما ثقل وزنه .
هل تعرف ما هو هذا الرد الجاهز؟
إنها "البدعة"!
البدعة ..كل شئ في هذه الدنيا صار بدعة ..أي شئ لا نجد تفسيرا مقنعا لتحريمه يتم نقله تلقائيا إلى خانة البدعة .. و كل بدعة ضلالة .. و كل ضلالة في النار .. و هذا كلامه (عليه الصلاة و السلام) .
نسوا تماما أنه قال (عليه الصلاة و السلام) .. أن البدع هي ما تم استحداثه على أمور الدين , ربما كان فهمي للأمور قاصرا و لكنني استوعبت ذلك على أساس أمثلة مثل .. فرض صلاة سادسة, صيام المحرم بدلا من رمضان .
لكن بعض السادة – و ربما كانوا أفضل مني مكانة عند الله – يضعون أي جديد لا يعجبهم تحت بند البدعة , أي جديد في أي شئ! يعني السيارات بدعة ,أجهزة التكيف بدعة ,الأوراق و الاسطوانات و شاشات التلفاز التي ينشرون بها فكرهم هي في حد ذاتها بدعة ......كيف بالله عليكم ؟! كل شئ جديد في حياتنا بدعة؟ لا مجال للتطور و لا للوصول إلى أي شئ؟؟ معقول؟؟!
أعرف أعرف , سينظرون لي بازدراء , الكبر حرام طبعا لكن هؤلاء السادة مرفعين عن كل شئ كما نعلم جميعا  , و سيشير لي أحدهم بيده في قرف قائلا :
- نحن لا نحرم الا الحرام فعلا ..تلك الفوانيس التي يحتفلون بها في رمضان . .و هي عادة فاطمية شيعية .. أليست بدعة ؟
أولاً : الفوانيس ليست من الدين في شئ و ليست لها علاقة به . نحن لا نمسكها و نحن صائمون مثلا أو نصلي عليها التراويح ! إنها مجرد لعبة يلهو بها الأطفال و يضيئون بها ليالي رمضان . و هي تميز أهل مصر أو أهل الشرق عامة كأي علامة يتميز بها مكان ما ..كالأكلات الشعبية و الأعلام .. هل سنحرمها أيضا ؟!
ثم إن أي خريج صغير من الأزهر يعرف جيداً أن البدع خمسة أنواع : بدعة حرام - بدعة حلال - بدعة مستحبة - بدعة مكروهة - بدعة واجبة .
ربما كانت معلوماتي قاصرة لذا يمكن لأي شخص يرغب في التأكد أن يسأل أي أزهري و سيجيبه .
الخلاصة هي أن ليست كل البدع حرام و هو أمر يعرفه أي شخص درس الدين دراسة سطحية . و هنا نجد سؤالاً يطرح نفسه هو : إذا كانت أقل مراتب الدراسة الدينية في الأزهر تتيح معرفة تلك المعلومة , و إن كنت أنا و أنا لم أدرس في الأزهر أصلاً أعرفها .. فأي دراسة تلك التي تلقاها من يحرمون البدع على الإطلاق ؟؟؟

ان البدعة الحقيقية – من وجهة نظري – هي تصنيف أي جديد في الدنيا على أساس أنه بدعة و أنه ضلالة لمجرد أنه لا يعجبنا...البدعة في رأيي هي "بدعة البدعة"...

الشيماء السيوفي


الاثنين، 26 سبتمبر 2011

سقف الذكريات

ملقى على ظهره كان , ينظر إلى السقف المظلم و قد انطبعت عليه خطوط الضوء الباهتة التي تسربت من خصاص الشرفة , تلك الخطوط التي أظهرت جزءاً بسيطاً من الطلاء المتشقق القديم بفعل الزمن و الرطوبة و أشياء أخرى لا يعرفها , تلك الخطوط التي أعادته فجأة إلى لحظة تفصله عنها عشرون عاماً كاملة , نعم عشرون عاماً بالضبط . كان في بيت جدته و لكنها جدته الأخرى و ليست تلك التي يأويه بيتها الآن . كان وقتها صغيراً جداً , بريئاً جداً , ربما ليس بريئاً جداً فهو لا يذكر أنه كان - في يوم من الأيام - بريئاً جداً ,, فقط كان تعيساً جداً , تعيساً كلوحة جميلة أحيطت بإطار قبيح , تعرف جيداً قدر نفسها و أنها في يوم من الأيام سوف تصبح شيئاً لا يقدر بثمن , فقط لو استبدلوا إطارها الحالي هذا بإطار آخر أكثر ملاءمة . يمكن تلخيص كل ما أسهب في وصفه و تخيله في رأسه في كلمة واحدة بسيطة هي  .. "الأمل" .. الأمل أن الغد دوماً يحمل أشياء أفضل و أجمل بكثير , ربما القليل  من "الغرور" كذلك بما أنه يرى نفسه مستحقاً لتلك الأشياء , ليس بجدارة و لكنه يستحقها أكثر من كثيرين يعرفهم على أقل تقدير  . هكذا كان دائماً يبحث عن السعادة وسط الحزن و يبحث عن الحزن وسط السعادة !
عاد ينظر إلى  خطوط الضوء على السقف مع خلفية من أصوات الشارع و السيارات التي يطغى عليها صوت موتورات أتوبيس النقل العام الضخم , كان ضخماً بالنسبة له و هو صغير و لعجبه فهو لا يزال ضخماً إلى الآن ! تلك التركيبة من نومته فوق سرير قديم و الخطوط على السقف و صوت الأتوبيسات يخلق عنده جواً حميمياً و قشعريرة من الذكريات  , لا يدري إن كانت تلك التركيبة تمثل شيئاً لغيره و لكنها بالتأكيد تحمل  له رونقاً خاصاً  .
راح يقارن بين الماضي و الحاضر , لو أسبل جفنيه و سرح قليلاً لظن أن الزمن لم يمض , لربما حسب أن   خصاص الشرفة عند قديمه و ليس إلى يساره كما هو الحال الآن  , أشياء كثيرة لم تتغير و أشياء أكثر تغيرت .. نفس الظلام و الهدوء  , قديماً كان الظلام بسبب حكم الجدة الصارم التي لا ترتدي إلا السواد و لا  تنام إلا فيه , و رغم خوفه و كرهه له إلا أنه كان يذعن لأنه ما من حل آخر . اليوم تسبح الغرفة في نفس الظلام و لكن بإرادته  و على غير عادته , اختار اليوم كما اختارت الجدة منذ عشرين عاماً أن يغلق باب الغرفة على نفسه فلا يتسرب إلى الغرفة  إلا ضوء "نظارة" الباب و خصاص الشرفة  . كان يقطب و يلعن حظه العثر و هو صغير عندما تطفئ الجدة كل الأنوار  و تندس لتنام بجواره باطمئنان غريب , كيف يطمئن أحد في هذا الظلام ؟ ما أدراه أنه لا يوجد شبح ما يجلس على تلك الأريكة أو يختبئ فوق الدولاب و ربما أسفل السرير ؟! كانت تلك الدقائق الأولى  تمضي كأسوأ ما يكون , يظل يؤنب نفسه أنه وافق على المجئ هنا و المبيت معها بمفرده , هو و هي و العفاريت فحسب ! تمر الدقائق الأولى و تبدأ ملامح الغرفة في التبدي  على  استحياء ,  و يبدأ وقتها في مرحلة التحديق في السقف ذي الخطوط الباهتة المتسربة من خصاص الشرفة .
كان يحب بيت تلك الجدة  ربما أكثر من الجدة نفسها , و هو يشعر الآن بتأثر غريب  لأن ذلك البيت لم يعد في حوزتهم , تأثر لا تشعر به الجدة (صاحبة البيت)  , هو أصلاً لم يرها تأثرت بأي شئ في حياته , ربما بكت مرة أو اثنتين اشفاقاً على نفسها من معاملة أحدهم الخشنة  لها ...
كان يحب بيت تلك الجدة لأنه يقع في منطقة قديمة  على عكس البيت الذي يقطن فيه الآن , كان يحب شرفاته المدورة التي تفتح على أكثر من غرفة  , و إحساس القدم الذي يحبه كلما أصدرت ألواح الأرضية الخشبية  ذلك الصرير الخافت .
أما أجمل شئ في ذلك البيت فقد كانت إطلالته على بيت آخر أمامه يراه من الشرفة , بيت قديم نحت على أعلاه أشكال حيوانات و طيور , لا يزال يذكر شكل ذلك الأسد الرمادي الزائر كأنما يراه بأم عينيه الآن , رباه !
ما الذي اختلف وقتها عن الآن ؟  صوت الأتوبيس كان هادراً أكثر منذ عشرين عاماً   , ربما لأن الموتورات كانت أقدم و ربما لأن أذنه كانت أصغر و أكثر براءة  , و ربما لأن ذلك البيت كان في طابق أدنى من الذي هو فيه الآن . الغريب أنه أحب صوت الأوتوبيسات العالي الغريب , كان يحب سماعها من  عل و يخشى سماعها و هو في الشارع , كأنه يخرج لها لسانه و يقول " ازئري كما تشائين فأنا آمن في فراشي و لن أتواثب على الرصيف خوفاً من أن تصدمني أجسادك الضخمة"
لا , لم يتغير الكثير , هو لا يزال هو , لا يزال يؤنب نفسه بشدة بقدر ما يشفق عليها أحياناً , لا يزال يحمل الأمل و يتشبث به بعناد  , الفارق الوحيد أنه يفهم الآن ما يشعر به و ما يتوجب عليه فعله  .. أما قديماً فهو لم يكن يعرف أي شئ ...


الشيماء السيوفي

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

المهنة : ناشط سياسي

نسمع كثيراً ذلك التعبير المكون من كلمتين : ناشط سياسي . و الناشط السياسي هو ذلك الشخص - سواء أكان ذكر أو أنثى - الذي يهتم بالسياسة و بأمورها و تجده دائماً يهتف أو يسير في مظاهرة .
أي شخص يتصف بهذه الصفة يكون في الغالب أو الظاهر شخصاً عاديا يحب بلده و بالتالي مهتماً بشؤونها ,  لأنه لو كان يحب السياسة  و السياسة لذاتها , لعمل في السلك الدبلوماسي أو امتهن مهنة ما في حزب معين . و لكنه في الغالب لا يفعل .
أنا هنا لا أتحدث عن النشطاء السياسيين في مختلف دول العالم فأنا لا أجزم أنني أعرفهم أو أعرف ما يفعلون , أنا أتكلم عنا هنا في مصر , عن الناشط السياسي المصري .
ليس الغرض هنا النقد بقدر ما هو توضيح نقطة هامة قد تغيب عن البعض .
من هو الناشط السياسي ؟
من وجهة نظري , فالنشاط السياسي هو الاهتمام بالبلد لأنك تحبها , أن تدعم حملات معينة تفيدها أو تخرج في مظاهرة لاثبات رأيك في قضية هامة . و المفترض أن يحدث هذا في جزء من يومك , جزء منفصل تماماً عن عملك و أسرتك و حياتك العادية .
يعني كي نكون واضحين , النشاط السياسي ليس وظيفة و لا يصح أن يعرف به شخص ما أو أن يوضع مثلاً في خانة المهنة في بطاقتك الشخصية . سيكون الأمر مضحكاً لو حدث هذا , سيكون أشبه بوضع كلمة "وطني" في خانة الوظيفة !
طبعاً كل واحد حر في رأيه و أسلوب حياته لكنني أرى أن البعض يتخذ كلمة "ناشط سياسي" كمهنة , و يكون ذلك للأسف لأسباب خاطئة تماماً , هناك من يفعلها لأجل الشهرة و هناك من يفعلها بسبب الفراغ و هناك من يفعلها للسببين معاً , شخص يريد أن يكون مشهوراً , لديه الكثير جداً من الوقت و القليل جداً من المواهب , ليس هذا عيباً بأي حال من الأحوال , لم يخلقنا الله لنكون جميعاً مشهورين  موهوبين متميزين , و لا يقلل هذا من شأن أولئك النشطاء و لا يشكك في وطنيتهم , بالعكس , قد يكون أولئك الأشخاص أكثر وطنية مني و منك . فأين تكمن المشكلة ؟
تكمن المشكلة عندما يبتلع لقب " ناشط سياسي" هذا صاحبه تماماً , عندما يقتنع به و يتلبسه و يشتهر لأجله و يصبح ذا كلمة مسموعة فقط لأنه "ناشط سياسي" يسير في المظاهرات و يصرخ في وجوه رجال الأمن بتحدي . لكن , هل هو كاتب مثلاً ؟ صحفي ؟ سياسي حقيقي يفهم كيف تكون السياسية ؟ ناقد ؟ مفكر ؟
لا .
صحيح أن هناك نشطاء كثيرون جداً يعرفون معنى الكلمة جيداً , و يعرفون أنها مجرد صفة تضاف إلى صفاتهم الشخصية , و لا علاقة لها على الإطلاق بمهنهم , و لكن هناك آخرين لا يتصرفون على هذا الأساس , و بمعنى آخر "تأخذهم الجلالة" ليظنوا و يظن الناس معهم أن كلامهم عبقري جداً و "منزل" من السماء .
لقب "ناشط سياسي" بالنسبة لي لا يختلف كثيراً و لا يجب أن يختلف كثيراً عن لقب "وطني" .. تماماً مثل : كريم - طويل - أبيض البشرة - ذكي ... إلخ ..
هذا رأيي الخاص , و أحترم كل من له رأي مخالف ....


الشيماء السيوفي

الخميس، 1 سبتمبر 2011

عين عمياء و ذراع مقطوعة



ربما كان من المنطقي و البديهي جداً أن نتغير نحن و يتغير ما حولنا مع مرور الزمن . قد ننظر إلى هذا التغيير بعين الاندهاش , نستغرب أن نرى هذا الشئ الصدئ الذي كان يوماً لامعاً و جديداً .. نمصمص شفاهنا إن كنا من النسوة و نقطب جبيننا إن كنا رجالاً و نقول :
"دوام الحال من المحال"
قد يدهشنا منظر الشئ نفسه بعد تغيره , و لكن مبدأ التغير نفسه لا يفترض به أن يدهشنا , لأنه سنة الحياة , لأنه من المنطقي أن تنتهي أشياء لتبدأ أخرى ...
و لكن ماذا عن ذاك الذي لا يتغير ؟
ماذا عن ذلك الذي لا زال يجد في نفسه رواسب قديمة لا تسحقها عوامل التعرية ؟ ماذا يفترض به أن يكون ؟ و كيف يفترض بنا أن نتصرف حياله ؟ هل نقف له تعظيماً و احتراماً لأنه صامد و خالد و و .. وكل تلك الأشياء التي كنا ننقلها من بعضنا البعض و نسطرها بلا فهم أو اقتناع حقيقي في دفاتر التعبير الابتدايئة ؟ أم أن نضرب كفاً بكف في ذهول من هذا الذي لا يتعلم من أخطائه و يكررها بنفس البلاهة كأنها حفرة سقط فيها مراراً لكنه يقنعنا في كل مرة , أنها أول مرة ؟
أم هل يفترض بنا أن نصمت تماماً و نعمي أعيننا عن أي شئ لا يعجبنا و كفى ؟
ربما كان الحل الأخير هو الأحسن و الأسلم و الأفضل .. ربما كان من الأفضل لك أن تعمي عينيك فعلاً عن كل ما لا تستطيع تغييره و لا تحويل بصرك عنه .. و عليك أن تتحمل وقتها نتيجة اختيارك هذا .. حتى لو كان جل ما حولك لا يعجبك و لا تملك أن تغيره .. حتى لو أدى هذا بك في النهاية أن تعيش أعمى أغلب الوقت !
هل تقطع ذراعك المريضة التي لا شفاء يرجى منها و تصبح بذراع واحدة أم تحتفظ بها و تحيا في ألم مدى الحياة ؟
إنها حقاً دنيا ظالمة !


الشيماء السيوفي