الخميس، 29 سبتمبر 2011

بدعة البدعة


يؤرقني اليوم سؤال , سؤال و أريد أن يجيبني عليه أحد , أي أحد , بشرط أن تكون اجابة منطقية مقنعة و لا تتسب في رفع ضغط  دمي لأني مش ناقصة !
لماذا يصر بعض المتدينون – أو أشباه المتدينون- على أشياء معينة...؟!
و كلمة أشياء هذه لم تأت اعتباطا أو لأنني لم أجد كلمة أخرى أضعها مكانها , و لكن لأنه لا يوجد فعلا كلمة تسع أو تصلح لوصف كل ما يفعله هؤلاء "المتدينون"!!
الغريب أن كل تلك "الأشياء"  و التي يصرون عليها جميعا ليست منطقية بالمرة و هو أمر واضح لأي طفل , و يمكن لأي واحدة مثلي ,لم تتلق تعليمها في الأزهر مثلا أو في أي معهد ديني و اعتمدت فقط على قراءتها الدينية العامة , أن تنسفها نسفا !
لنأخذ مثلا .. على سبيل المثال لا الحصر :
الاصرار المبالغ فيه أو الغير المنطقي على استخدام اللغة العربية الفصحى...
طبعا سأحاول أن أسيطر على أعصابي , و أن أتحمل العبارات الجارحة التي تسبني غالبا أو تنعتني بأنني متأمركة أو متفرنجة .
أي شخص قد يفسر كلامي على أنني ضد اللغة العربية مثلا . و لكنني – للأسف- سأخيب ظن كل من كانوا ينتظرون الجنازة ليشبعوا لطما و أقول أنني أحب اللغة العربية جدا , ليس فقط لأنها لغة جميلة  قوية معبرة فحسب , و لكن لأنها أيضا لغة القرآن و لغتي الأم...
و أنا معارضة و بشدة لكل المتجهين إلى طريقة التقليد الأعمى و الذي يجعلنا نسخ باهتة لا منطقية من حضارات أخرى . و لكنني أيضا ضد "الفزلكة" و محاولة تعظيم النفس و تحقير الآخرين . ضد الأبراج العاجية التي يضع البعض أنفسهم بداخلها  و القوالب الجاهزة التي يريدون وضعنا نحن فيها .
ضد اللا منطقية و اللامصدقاية التي صرنا إليها.
لماذا – بالله عليكم- يصر أولئك الشيوخ أو الدعاة أو أي شخص تظهر صورته على التلفاز أو سجل صوته على شريط على أن يتحدث بتلك اللغة العربية الفصحى (التي تخرج عن القواعد الصحيحة أحياناً) ؟
طبعا لو سألت أحدهم هذا السؤال سينظر لي بقرف و يرد علي – ان رد- من أنفه قائلا:
" لأنها لغة القرآن و لأننا نتأسى في ذلك بسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام"
طبعا كلمة "سيدنا" هذه من عندي لأن الكثيرين من هؤلاء العباقرة يقولون (محمد) فقط باعتبار أنهم وصلوا طبعا إلى المكانة التي تسمح لهم بذلك . عامة هذا ليس موضوعنا , ربما نتطرق إليه فيما بعد و لكن ليس الآن .
نعود إلى موضوعنا...
عندما تأسى أولئك العباقرة بسيد الخلق  عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام لم ينتبهوا إلى نقطة هامة جدا ..
أن سيدنا (محمد) كان يتحدث إلى أصحابه باللغة العربية لأنها كانت- ببساطة- اللغة التي يتحدث بها أصحابه (رضي الله عنهم) .
عندما أراد عليه الصلاة و السلام أن يشرح لهم تعاليم الإسلام شرحها لهم بلسانهم , باللغة التي يفهمونها و بالطريقة التي اعتادوا عليها . لكن ما الذي يدفعنا اليوم إلى التحدث بنفس اللغة و نفس الطريقة ؟!
اذا كانت شريحة كبيرة جدا من المجتمع المصري تتكون من الأميين (للأسف) و تقابلها شريحة أخرى من المتأمركين الذين يفضلون التحدث بالانجليزية أو أية لغة أجنبية أخرى ! اذا كان هذا هو جل المجتمع المصري فمن يخاطب هؤلاء السادة الأفاضل؟!
و حتى لو كانت نسب الأميين و المتأمركين في مصر ليست بالكبيرة , حتى و ان كانت دقيقة صغيرة جدا بل و مجهرية...أليست هاتين الفئتين أجدر الفئات بالارشاد الديني ؟!
تعال معي لنلق نظرة سريعة على الفئتين و ستفهم ما أقصد .
الفئة الأولى : الأميون.. أمي أي لا يجيد القراءة و لا الكتابة . تريد أن تأتي بشخص لا يفك الخط ثم تحدثه بالفصحى و تريده أن يقتنع بكلامك بل و ينفذه , هذا طبعا ان فهمه أولا !
جميل.. جميل جداً.. ربما استطاع البعض الوصول إلى هذا الاعجاز , و كل مشكلتي أنا أن معلوماتي قاصرة بعض الشئ .جائز ,كل شئ جائز , لكنه يصعب علي بعض الشئ أن أتخيل (أم ابراهيم) زوجة البواب تجلس أمام الشيخ الفقيه و تنصت إاليه و هي تهز رأسها استحساناً , ما أتخيله هو أن وجهها في الغالب سوف يتقلص في عدم فهم و هي تلفع (ابراهيم) الرضيع على كتفها و تشيح بيدها الأخرى قائلة :
" يا عم ده بيتكلم بالنحوي...!"
و جملة (أم ابراهيم) تلك تعني شيئين : أولاهما طبعا و الأكثر وضوحا أنها لاتفهم ما يقوله هذا الرجل , أو على الأقل نسبة كبيرة منه . و ثانيهما : و هو معنى في باطن الكلام .."لماذا لا يتباسط هذا الرجل و يكلمنا بطريقة نفهمها ؟"
ربما كانت (أم ابراهيم) ترغب أو لا ترغب في معرفة ما يقوله الشيخ الفاضل لكنها في كلتي الحالتين لن تفهم حرفا .
نأتي للفئة الثانية :المتأمركون , و كلمة متأمرك هذه لا تعني بالضرورة شيئا محددا أو تصف أناس بعينهم , انما هي لفظة أطلقتها مجازا على كل أولئك الذي يستمتعون بالكلام بأية لغة فيما عدا العربية , بعضهم يرى التحدث بالعربية " بيئة" , و البعض الآخر لا يجيد التحدث بها أصلا , في الحالتين فإنه من المستحيل أن تقنع (أيتن) أن تكف عن الثرثرة مع (غالية) قليلا لتستمع إلى فضيلة الشيخ .تلقائيا سيتقلص وجهها أيضا استنكارا و ستشعل سيجارتها بيد بينما تلوح بالأخرى قائلة:
" شيخ مين؟ ده بيقول ايه ده أصلا؟!"
المصيبة أن جمل كهذه اذا وصلت إلى فضيلة الشيخ فهي لن تفعل به سوى أنها ستجعل وجهه يحمر و لحيته الطويلة تهتز و هو يسب و يلعن الجهلة و الفاسقين المارقين العصاة...الـ...الـ...و سينسى تماما أن مهمته هي دعوة الناس إلى الطريق القويم , ومادام يدعوهم إليه فهم في الغالب لا يعرفونه , يعني أنه من المفترض أن ينزل جنابه من برجه العاجي  إليهم قليلا و يحدثهم بطريقتهم كي يصل إلى قلوبهم و عقولهم .
لا أقصد طبعا أن يربط الشيخ رأسه بمنديل و يساعد (أم ابراهيم) في تنقية الأرز , و لا أن يمسك بقداحته ليشعل بها سيجارة (أيتن).
لا أطلب منه أن يمط الكلام مثل (أم ابراهيم) و لا أن يترجم كل كلمة يقولها لـ (أيتن) إلى الفرنسية و لـ(غالية) إلى الانجليزية .
و لكن أطلب منه أن يحدثهم على الأقل بلغة يفهمونها . بالعامية المصرية , و بالطريقة اعتادوا عليها , دون مبالغة و لا اسفاف .
و الا فلمن يوصل كلمته اذن ؟!
اذا كان رأي ذلك الشيخ الفاضل- أيا كان اسمه- أن هؤلاء الناس أكثر جهلا أو غباء أو فسوقا من غيرهم فهم أحق بدعوته و هم أحق أن يحاول اقناعهم , ليس لأننا نطلب منه أن يتذلل لهم لا سمح الله , و لكن لأننا نريد اصلاح المجتمع فعلا , نريد أن نقنع (أم ابراهيم)  ألا تدع أطفالها يجرون حفاة عراة في الشارع , يضربون هذا و يتناوشون مع ذلك , أو يتسلون بخدش السيارات و تحطيم زجاجها. نريد أن نقنع (غالية) أنه لن يضيرها تطويل تنورتها و توسيع قميصها قليلا . ننصحها ألا تضيع وقتها و مالها في التفاهات , أن تكف عن النميمة مع صديقاتها و لو قليلا .
أجل , نقنعهم ,لا مانع أن نقنعهم , لأنهم مقتنعون مسبقا بما يفعلون و لا يرونه خطئاً . ربما لأنهم لا يعلمون و في حاجة إلى التنبيه باللطف و الاقناع , فبالله عليك كيف تقنع شخصا بشئ ما و أنت تتحدث بلسان مختلف عنه ؟؟
و لكن هل تعرف ما هو الأسوأ و الأكثر تأثيرا من اللغة التي تتحدث بها ؟
طريقة كلامك !
أجل طريقة كلامك
لسبب ما يعتبرنا هؤلاء السادة الأفاضل , احم ,حقا لا أدري ماذا يعتبروننا , لأنني أظن أنه حتى الحيوانات لا تستحق تلك المعاملة . ذلك الصراخ الهمجي الغير مبرر بكلام غير مفهوم و الذي يشعرك أنك في الدرك الأسفل من النار .صحيح أنك لا تعرف السبب و لكنك مقتنع تماما أن النار هي مثواك لأنك كنت وغدا حقيرا طوال حياتك . هذا طبعا لو استطعت أن تفهم كلمة واحدة سليمة وسط هذا السيل من الصراخ الذي زادوه سوءا بخاصية الصدى . فصرت و كأنك تسمع الصرخة الواحدة ثلاث أو أربع مرات !
لن أطيل التعليق هنا...تكفيني هذه الآية...
(( لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك))

تريد مثالا آخر؟ شيئا مستفزا آخر يصر عليه "المتديونون"...؟ حسنا..إليك به...
سميته مجازا .."بدعة البدعة".. و السبب وراء التسمية سهل .. تابع معي و ستعرف حالا.........
هل تعرف عندما" يغلب حمارك"؟ أو عندما تعجز عن ايجاد رد مناسب لشخص ما ؟انك في تلك اللحظة تلجأ إلى أي ميكانيزم دفاعي كأن ترفع صوتك مثلا أو تبدأ بالسباب . أو, أن يكون عندك ردا جاهزاً...الشماعة التي تعلق عليها أي معطف يأتيك مهما ثقل وزنه .
هل تعرف ما هو هذا الرد الجاهز؟
إنها "البدعة"!
البدعة ..كل شئ في هذه الدنيا صار بدعة ..أي شئ لا نجد تفسيرا مقنعا لتحريمه يتم نقله تلقائيا إلى خانة البدعة .. و كل بدعة ضلالة .. و كل ضلالة في النار .. و هذا كلامه (عليه الصلاة و السلام) .
نسوا تماما أنه قال (عليه الصلاة و السلام) .. أن البدع هي ما تم استحداثه على أمور الدين , ربما كان فهمي للأمور قاصرا و لكنني استوعبت ذلك على أساس أمثلة مثل .. فرض صلاة سادسة, صيام المحرم بدلا من رمضان .
لكن بعض السادة – و ربما كانوا أفضل مني مكانة عند الله – يضعون أي جديد لا يعجبهم تحت بند البدعة , أي جديد في أي شئ! يعني السيارات بدعة ,أجهزة التكيف بدعة ,الأوراق و الاسطوانات و شاشات التلفاز التي ينشرون بها فكرهم هي في حد ذاتها بدعة ......كيف بالله عليكم ؟! كل شئ جديد في حياتنا بدعة؟ لا مجال للتطور و لا للوصول إلى أي شئ؟؟ معقول؟؟!
أعرف أعرف , سينظرون لي بازدراء , الكبر حرام طبعا لكن هؤلاء السادة مرفعين عن كل شئ كما نعلم جميعا  , و سيشير لي أحدهم بيده في قرف قائلا :
- نحن لا نحرم الا الحرام فعلا ..تلك الفوانيس التي يحتفلون بها في رمضان . .و هي عادة فاطمية شيعية .. أليست بدعة ؟
أولاً : الفوانيس ليست من الدين في شئ و ليست لها علاقة به . نحن لا نمسكها و نحن صائمون مثلا أو نصلي عليها التراويح ! إنها مجرد لعبة يلهو بها الأطفال و يضيئون بها ليالي رمضان . و هي تميز أهل مصر أو أهل الشرق عامة كأي علامة يتميز بها مكان ما ..كالأكلات الشعبية و الأعلام .. هل سنحرمها أيضا ؟!
ثم إن أي خريج صغير من الأزهر يعرف جيداً أن البدع خمسة أنواع : بدعة حرام - بدعة حلال - بدعة مستحبة - بدعة مكروهة - بدعة واجبة .
ربما كانت معلوماتي قاصرة لذا يمكن لأي شخص يرغب في التأكد أن يسأل أي أزهري و سيجيبه .
الخلاصة هي أن ليست كل البدع حرام و هو أمر يعرفه أي شخص درس الدين دراسة سطحية . و هنا نجد سؤالاً يطرح نفسه هو : إذا كانت أقل مراتب الدراسة الدينية في الأزهر تتيح معرفة تلك المعلومة , و إن كنت أنا و أنا لم أدرس في الأزهر أصلاً أعرفها .. فأي دراسة تلك التي تلقاها من يحرمون البدع على الإطلاق ؟؟؟

ان البدعة الحقيقية – من وجهة نظري – هي تصنيف أي جديد في الدنيا على أساس أنه بدعة و أنه ضلالة لمجرد أنه لا يعجبنا...البدعة في رأيي هي "بدعة البدعة"...

الشيماء السيوفي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق