الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

لا غداً و لا في أي يوم آخر



لا , أنا لن أحتفل بانتصار أكتوبر مع المجلس العسكري غداً لأن المجلس العسكري ليس هو صاحب ذلك الانتصار , لأن المجلس العسكري نزع من قلوبنا كل إمكانية للاحتفال , لأنه لم بفعل سوى أن بدد أموالنا على استعراضات قوة لا داعي لها , لأن كل من كانوا السبب الحقيقي وراء انتصار حرب أكتوبر استشهدوا في سبيلها أو يؤيدون بشدة الثورة التي يحاول المجلس العسكري سرقتها بشتى الطرق, لذلك لن أحتفل مع المجلس العسكري لا غداً و لا في أي يوم آخر .......


الشيماء السيوفي

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

شكلكم لسة بتهزروا !!



يبدو أن وصلة "الهزار" ستطول قليلاً , وصلة لا تريد أن تنتهي في الغالب , على الأقل هذا ما يبدو لي الآن . صحيح أن الضحك شئ صحي و لكن ما يزيد عن حده ينقلب لضده , أليس كذلك ؟
الناس التي صارت "تهزر" زادت , و المصيبة أنهم لا يعرفون أنهم يفعلون , أما المصيبة الأكبر فهو أننا تعبنا منهم و من هذا الهزار . الضغط على الدمل يزيد و الانفجار صار وشيكاً جداً , هم لا يدركون هذا ..... و يتمادون في الهزار !
و من أولئك الذين يتمتعون بخفة دم تثير الغثيان , حزب اتخذ لنفسه شعار الدين , رغم أن الدين شئ و السياسة شئ , رغم أن سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام قال " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " و أن اختيار الخلفاء في بدايات الإسلام كان على أساس الأصلح سياسياً و ليس الأكثر قياماً للليل !
هذا الحزب هو "حزب الدبور"
و حزب "الدبور" هذا لمن لا يعرف هو الحزب الذي "زن على خراب على عشه" , صحيح أنه كان "خرباناً" أصلاً من وجهة نظري و كان أمره سينكشف إن عاجلاً أو آجلاً فهي كانت مسألة وقت , و لكن الله شاء أن يعجل ذلك الحزب اللطيف بتشويه صورته بالتوقيع إياه الذي نعرفه جميعاً .
و بصراحة التوقيع لا يضحكني و لا أستغربه , فهو , بالنسبة لي , كان متوقعاً جداً . أما ما لم أتوقعه بصراحة هي تلك اللافتات القماشية الضخمة التي تشرح لنا كيف أن الانضمام لذلك الحزب هو الطريق المضمون , السهل , و ربما الوحيد للجنة ! بصراحة سوف تنتابني "كريزة" الضحك مرة أخرى . سمعنا الكثير يا أخي , سمعنا و تعلمنا و قرأنا و و ... لكنني في حياتي لم أسمع عن حزب يدخلك الجنة . لا ليست الصلاة و لا الصيام و لا الذكر , ليست الصدقة و حسن المعاملة و بر الوالدين .. إنه الحزب !!
بصراحة , هناك سؤال محشور في حلقي بالعرض و أرغب في بصقه في وجه أولئك الدبابير و أقول :
"هو الحزب ده بيدخلنا الجنة إزاي يعني ؟ "
فعلاً , أنا لا أمزح , يعني هل سيجبر الحزب أعضاء الحزب على الصلاة و الحجاب و غض البصر ؟ و هل إجبار المرء على فعل ما بلا أدنى اقتناع يدخله الجنة ؟!
 أم تراهم يملكون نسخاً من مفاتيح الجنة في سلاسل مفاتيحهم ؟؟؟
 و يوزعون منها على الأعضاء المنضمين !
تخيل معي هذه الصورة .. أنت جالس في الجامعة , أو في المترو , أو في المكتب .. يأتي رجل يرتدي أبيض في أبيض , و يمسك سلسة مفاتيحه في يده لأنه لا يملك جيباً يضعها فيه لأنه لا يرتدي بنطالاً لأن البنطال حرام و بدعة و من ألبسة الغرب .. تخيل نفسك تسرق نظرة فضولية صغيرة نحو سلسلة المفاتيح تلك لتلاحظ من بينها مفتاحاً غريباً عن بقية المفاتيح و ربما أكبر قليلاً .. تخيل معي أن فضولك زاد قليلاً و تجرأت على الحديث معه رغم وجهه السمح قائلاً :
- " هو ده مفتاح إيه حضرتك ؟ "
أتوقع وقتها أن يبتسم الرجل السمح في تكبر و ازدراء لأنك فاسق و لا تملك نفس المفتاح , بل تجهل كل شئ عنه لدرجة أنك لا تعرف حتى شكله  , و سوف يجيبك , إن أجاب , قائلاً :
- " ده مفتاح الجنة "
و عندما يلاحظ الذهول على وجهك سوف تتسع ابتسامته و يجيب في ثقة دون أن تسأل :
-" أصل أنا في حزب الدبور"
بعدها سوف يتركك في ذهولك الذي لن تفيق منه في الغالب إلا بعد يومين , سوف تتعجب و تضرب كفاً بكف و أنت تتذكر قوله تعالى (يَغفرُ لمَن يَشَاء و يُعذّب مَن يَشاء) , لم يكن في الآية أي ذكر لأي أحزاب أو مفاتيح , و لا في القرآن كله , فمن أين أتى الرجل السمح بهذه الثقة؟!

فقط سأطلب منك خدمة صغيرة اذا سمحت .. لو اقتنعت بثقة الرجل السمح , أو أعجبك شكل المفتاح و قررت الانضمام لحزب الدبور , و أعطوك نسخة من المفتاح إياه .... لا تنسخ لي من مفتاحكم هذا لأنني قررت أن أسعى نحو الجنة بالطريقة التي أشار علي بها سيد الخلق عليه الصلاة و السلام .. و ليس على طريقة سيد الدبابير !


الشيماء السيوفي

السبت، 1 أكتوبر 2011

أكيد بتهزروا !



هل يذكر أحدكم تلك العبارة التي قالها (أحمد حلمي) في فيلم (ظرف طارق) عندما دخل إلى ذلك المطعم و وجد كل الجالسات بداخله من غير الجميلات ؟ 
"أكيد بتهزروا !"
هذه الجملة أرغب في قولها لكثيرين ! بل ربما أرغب أن أمشي في شارع و أصرخ بها في كل اتجاه أو أن أعلقها كيافطة على عنقي !!
لقد بلغ الهذر مداه في كل اتجاه  ..
أمس عندما كنت أتصفح الفيسبوك بعد طول انقطاع عنه قرأت جملة عن لسان أحد الـ الـ .. أستعفر الله العظيم .. لا أريد أن أسب أحداً .. هو أحد الأشخاص ممن يطلقون على أنفسهم أسماء مستعارة يظنونها رهيبة جداً و "كوووول آخر حاجة" في حين أنها مضحكة و مثيرة للاشمئزاز , شخص يطلق على نفسه اسم حشرة ! و السبب وراء هذه التسمية مجهول حتى الآن و لكن ترجح بعضعة مصادر أنه قد يكون الخجل من لقبه الحقيقي الذي لا يقل إضحاكاً عن الحشرة
و لنسميه مجازاً (عادل الخنفسة)
و (عادل الخنفسة ) هذا , ما شاء الله , شاب نجح في كل شئ , في الدراسة و الغناء و .. نعم هو مغني . و قد قمت بعملية انتحارية في يوم من الأيام و جربت أن أسمع جزءاً من إحدى أغنياته . و أقسم بالله العظيم لم تكن سيئة , لم تكن سيئة على الإطلاق لأنها لم تكن أغنية أصلاً , هي كانت شيئاً أنا بصراحة لازلت أجهل نوعه أو تصنيفه , لذلك لم أتمكن من الحكم عليها ,  و لذلك أيضاً لم أستطع إكمالها !
من مميزات (عادل الخنفسة) أيضاً أنه رجل قوي الشكيمة و الطلة , أي رجل يراه يخاف على نفسه منه , أي و الله يخاف !!
و عندما وجد البطل الهمام (خنفسة) أنه رائع و ناجح في كل شئ  فكر في اقتحام عالم السياسة و الإعلام , فأصبح يطل علينا من شاشات التلفيزيون عبر قناة ناجحة مثله , بل و صار له برنامج خاص به يعرض فيه أفكاره الرائعة التي تحمل رسالة مضمونها أن ثورة 25 يناير جميلة و زي الفل و كنا نحتاجها فعلاَ , لكن كل من قاموا بها خونة يحملون درجة الدكتوراه و يأخذون "كورسات" بالخارج , و هي طبعاً جرائم يعاقب عليها القانون بالإعدام شنقاً دون أي رحمة أو تخفيف !
و لكي لا نطيل في الكلام عن (خنفسة) نفسه , و الكلام عن (خنفسه) قد يطول إلى ما لا نهاية . لذلك دعونا نعد لتلك الجملة التي قرأتها و أنا أتصفح الفيسبوك أمس .
كانت الجملة تصف مشاحنات و اشتباكات تحدث بين (خنفسة) و أصدقائه الحشرات و بين الثوار . يصف (خنفسة) الاشتباكات بأنها "حرب" و أنه "مش قادر يوصف" و أن حشراته آآ "رجالته مظببطينهم" , و "هم" هذه تعود على "الثوار" طبعاً .
ربما لن يصدقني أحد و لكنها الحقيقة و أقسم عليها , أنا في بداية الأمر اعتقدت أن هذه الجملة "تريقة" أطلقها أحد الثوار , لأنه من المستحيل أن يتحدث شخص عاقل , أو حتى غير عاقل بهذا الشكل عن اشتباكات تقع بين مواطنين من نفس البلد بنفس الطريقة التي يتحدث بها طالب ثانوي عن "خناقة" حدثت بين شباب مدرسته و شباب المدرسة المجاورة , إلى الحد الذي يصف فيه رجالته بأنهم "مظبطينهم" !
طبعاً نأتي لأكثر الأجزاء إضحاكاً و هي "مش قادر أوصف" ...... ده أنا اللي مش قادرة أوصف و الله ..ههههههههههه
و لكم أن تتخيلوا مدى الذهول الذي كنت فيه عندما علمت أن الجملة فعلاً كانت حقيقية !!!
هذا الخنفسة يظن نفسه بطلاً قومياً رغم أنه ليس سوى "خنفسة" ! هذا الخنفسة يأخذ الموضوع باستخفاف و كل همه أن يكسب هو و عالم الحشرات المصاحب له هذه الجولة و تصبح النتيجة واحد صفر لصالحهم , هذا الخنفسة يكذب أو يتخيل أو يحلم و هو مفتوح العينين إذ يتخيل أن من معه "ظبطوا" الثوار الذين أسقطوا نظاماً كاملاً .. كيف "ظبطوهم" يعني ؟ بالقرص و الزن ؟!!
لذلك أشعر اليوم برغبة قوية أن أقابل (خنفسة) و أصدقائه من البعوض و الذباب و الصراصير لأقف أمامهم و أبتسم في سخرية و أقول:
"أكيد بتهزروا" !!!!


الشيماء السيوفي



طابور الصباح





أيقظته الضوضاء التي لم يدرك مصدرها في البداية . كان رفع جسده من على مرتبة الفراش النحيلة أصعب جزء في اليوم كالعادة  , نهض و هو يهرش مؤخرة عنقه التي التوت من نومته السيئة و هو يتجه نحو خصاص الشرفة المترب لينظر من خلاله إلى المدرسة التي تقع أسفل شقته بالضبط , مدرسة ابتدائية مليئة بالملابس الكحلية التي ارتداها هو في يوم من الأيام , هل كانت ملابس مدرسته كحلية فعلاً ؟ لعلها كانت بنية أو رمادية ,هو لا يذكر و لا يهتم ..
نظر ملياً إلى الأجساد الصغيرة التي تلعب و تعبث عبثاً لا يفهمه بعد أن كان يفعل يوماً , ذهب ليعد لنفسه شيئاً دافئاً يجعله يفيق . عاد و في يده قدحاً من القهوة المرة التي تزيد من مرارة صباحاته , فتح الشرفة عن آخرها ليدع ضوء النهار الهادئ يدخل إلى الحجرة البنية المظلمة , يقولون أن الشمس و الهواء و هذه الأشياء تشعر المرء بالسعادة و الانتعاش , و ها هو يملأ عينيه و  رئتيه عن آخرهما بلا جدوى .. تباً لكل شئ ....
رشف رشفة من السائل البني القذر الذي يفترض به أن يرفع ضغطه المنخفض فتتسع فتحتا عينيه قليلاً بدلاً من هذه التسبيلة "الحريمي" الناعسة ! كان يقطن في الدور الثاني لذا كان يسطتيع رؤية الأولاد في الحوش و يستطيعون رؤيته بسهولة , نظر إليه فعلاً عدد قليل منهم و تهامسوا قليلاً فيما بينهم . لم يكن يعرف أسماء أولئك الأطفال و لا أعمارهم و لا كيف يبدو ذويهم , كل ما كان يعرف هو ثقته فيما يفكرون فيه الآن و هم ينظرون إليه , كان يعرف جيداً أنهم يحسدونه و يودون لو كانوا مكانه ! لم لا ؟ لم لا و هو في نظرهم ذلك الشاب الوسيم الذي يرتدي ما يحلو له , و يستيقظ في الوقت الذي يحلو له ليقف في شرفته يرتشف مشروباً لذيذا من ذلك القدح في يده , لا بد و أنه الكاكاو الذي يفضلونه , أكيد هو !  كيف لا يحسدونه و هو لا يذاكر و يخرج في الوقت الذي يشاء ليمرح كما يشاء , هه ؟ كيف ؟
ابتسم في سخرية و هو يتذكر ذلك التوق الشديد الذي تملكه هو نفسه في مختلف أوقات حياته . قبل المدرسة تمنى لو كان في المدرسة حيث الأصدقاء و اللعب و الإثارة بدلاً من التلفاز الممل و الجلوس في البيت بلا عمل طوال اليوم . في المدرسة تمنى لو كان في الجامعة حيث الحرية و الفتيات بدلاً من الواجبات التي تورم يده و الحقيبة التي تحني ظهره . في الجامعة تمنى لو يتخرج حيث العمل و المسؤولية و الأهمية و المستقبل الباهر بدلاً من المحاضرات الطويلة المملة و خطط العصابات التي يضعها الفتيان ليوقعوا بالفتيات و العكس . بعد التخرج تمتى لو يتزوج حيث الحب و الاستقرار و البيت الهادئ الجميل بدلاً من الصداع و الوحدة و السهر المضني في المكتب .
في كل مرحلة يكون مقتنعاً أن ما هو فيه هو أسوأ شئ في الوجود و أن ما هو آت هو أجمل شئ في الوجود , لم يرتح و يقنع و لو لمرة واحدة بما هو فيه في أي لحظة من لحظات حياته , فهل هذا هو ما كانت خالته دوماً تطلق عليه لفظة "البطر" , تتبعها بعبارة " يا ابنى البطران حاله قطران" ؟ هل هو كذلك فعلاً ؟ بطران على طول الخط ؟؟
 نظر إلى يساره حيث البناية الملاصقة لبنايته , شرفة توازي شرفته في الارتفاع تقريباً , يجلس فيها رجل مسن مسترخياً على مقعد من الخوص و أمامه جريدة و فنجان فارغ , و قد أسبل الرجل جفنيه فيما يشبه الاستمتاع أو الرضا . ترى , إلى أي مرحلة يصبو هذا الشيخ و قد انتهت تقريباً كل مراحل و فرص حياته ؟ هل يصبو إلى الجنة مثلاً ؟ هل ماتت زوجته التي أحبها و هو يمني نفسه الآن باللحاق بها ؟ هل هذا هو معنى التوق الدائم إلى المستقبل ؟ و هل أراد الله لنا أن ننظر دائماً إلى الأمام ثم إلى الأمام ثم إلى الأمام ؟ هل هي فطرة وضعت فينا جعلتنا نضع الجنة نصب أعيننا حتى نعمل جاهدين للوصول لها و نظل نحلم به طوال حياتنا ؟ ناظرين إلى الأمام دون أن ندري السبب الحقيقي لذلك ؟
أنهى قدح القهوة المرة و هو يتململ في وقفته استعداداً للدخول مرة أخرى , ألقى نظرة أخيرة على الأطفال في الحوش و الشيخ في الشرفة المجاورة , هو الآن يقف في المنتصف بالضبط تقريباً بين الاثنين , و هو ناقم بكل تأكيد على ما هو فيه الآن , يتمنى لو ينتقل إلى مرحلة الشيخ حيث .. حيث .. حيث اللاشئ في الواقع , هذا الشيخ حياته تنتهي أما هو فحياته تكاد تبدأ . نظر إلأى الأطفال مرة أخرى و هو يتمنى لو يعود طفلاً مرة أخرى , أو يعود إلى الجامعة , صحيح أن تلك الفترات كانت تحمل ألماً و تعباً لكنه راغب في أن يكون أي شخص سواه في تلك اللحظة , أن ينتقل إلى الخلف أو إلى الأمام , ربما لو انتقل إلى الأمام لانتهت حياته و لكف عن محاولة التغيير و التنقيح , و ربما لو انتقل إلى الخلف لعاش حياته بطريقة أفضل بكثير من التي عاشها بها فعلاً .. إنه نادم على غبائه بشدة !
دخل إلى حجرته و أغلق خصاص الشرفة باحكام كي يمنع الضوء من الدخول فهو لا يملك الوقت الكافي للتسكع في الشرفة و مشاهدة الأطفال و الشيوخ , لديه الكثير من الاكتئاب ليعيشه , و الاكتئاب يحتاج إلى الوقت و التركيز  و الهدوء !!

الخميس، 29 سبتمبر 2011

ياقة المعطف


شد ياقة المعطف على عنقه كي يمنع تيار الهواء البارد من الدخول إلى جسده الدافئ  رغم احتياجه إلى ألم يفوق ألمه و قشعريرة باردة تنفض عنه جل و ربما كل ما يشعر به إن كان هذا ممكناً .. كان يقف في أحب بقعة له في الوجود , أمامه شمس الغروب البرتقالية التي انعكس ضيها في عينيه المتعبتين , عينين صار بياضهما أحمر عكراً من فرط السهر و البكاء و التحديق اللانهائي و الغير ذي فائدة في أي شاشة تشع ضوءاً .. نعم هو يبكي , كان يخجل من ذلك فيما مضى لكنه تعلم أن الخجل شعور مرفه جداً مقارنة بما يشعر به الآن .. ما يشعر به الآن ليس ألماً و ليته كان .. ليس يأساً كما تعود أن يكون .. ما يشعر به الآن ليس سوى أملاً و طموحاً تحطم بعنف حتى دخلت شظاياه  في عينيه , و ربما كان هذا هو السبب في عكارتهما الدموية و ليس الدموع , اذ كيف تصنع الدموع كل هذا ؟ كيف تحول الدموع عيناً نجلاء إلى بئر من الكآبة ؟
شد ياقة المعطف على عنقه مرة أخرى مع نسمة الهواء التي جاءت أقوى من سابقتها , تنسم عبير البحر الذي راحت الشمس تنحدر فيه رويداً رويداً .. بنفس البطء و النعومة التي يتمنى أن تنسحب بها روحه الآن  .. صحيح أنه في أحب الأماكن إلى قلبه و في أحب الأوقات لكنه في أسوأ و أحلك لحظة في حياته .. أتراها كذلك فعلاً ؟ إنه لمن المرعب تصور أن هناك أسوأ مما هو فيه الآن .. لا  , لتكن هذه هي اللحظة الأسوأ , أنا موافق !
شد ياقة المعطف للمرة الثالثة و هو ينفث الدخان من بين الشفاه الجافة التي كانت يوماً لا تفتأ تبتسم , كان الكل يحب ضحكته رغم آلامه العديدة . كان ساخراً و كانوا يقولون أن كل شئ يصبح بلا طعم بدونه . أين هم الآن ؟ و هل يا ترى لو أتوا أو ظهروا الآن سيشكل هذا فارقاً ؟ 
عاد ينفث الأبخرة من بين شفتيه , لا يعرف ان كانت أبخرة البرد أم السيجار التي أقسم ألا يقربها أم قلبه الذي يحترق لوعة و ما من شئ قادر على اطفائه مرة أخرى و لا حتى البرد المحيط به !
عقد ذراعية على صدره مستمتعاً بدفء جسده من الداخل تحت المعطف الثمين و برودة أطرافه التي يضربها هواء الشتاء .. آه , إنه الشتاء , انتظره طويلاً حتى يأتي إلى هنا .
حرك يديه على المعطف الأنيق ليجده مبللاً ببضع قطرات من الماء , لا يعرف أهو الندى أم زخات من مطر خفيف أم رذاذ الأمواج أم دموعه التي غافلته و سقطت من عينيه دون أن يدري ..
هبط بعينه إلى حذائه الأنيق الذي لوثته الرمال , قديماً كان سيجزع و يلقي بالأتربة يميناً و يساراً خوفاً على حذائه الرائع , أما الآن فقد داست الدنيا على قلبه و روحه ذاتها , حتى صارا متربين أكثر من هذا الحذاء , فأي شئ بعد هذا يهم ؟ هه ؟ أي شئ ؟
ملامحه الوسيمة التي لم يرها يوماً كذلك اكتست بطبقة سميكة من الجدية أضافته لعمره ضعف عمره , ملابسه الأنيقة التي حرص على اختيارها بدقة .. كل الأشياء التي كانت تجلب له الحقد و الحسد من كل من حوله . فقط لو يعرفون ما تخفيه الملامح الوسيمة من عقد نفسية , و الملابس الأنيقة من أمراض تركت أثرها على الجسد المتهالك رغم حداثة السن ! فقط لو يعلمون , لكفوا عن زيادة ألمه بحسده على ما لا يملك ..

كانت عينيه لا تزالا معلقتين بالحذاء ذي اللون الترابي الذي كان منذ نصف ساعة فقط في سواد الأبنوس , سرحت عينيه في الأشكال العشوائية المزخرفة على الرمال نصف الناعمة .. كأنها رسوم سيريالية .. ابتسم في سخرية و هو يذكر أنه هو أيضاً كان يرسم , و كان الكل يشيد برسمه , كان فناناً ! لكنه كف عن الرسم فجأة لسبب لا يعلمه أحد , منذ عام و هو لا يفعل ما يحب و لا ما يفترض به أن يفعل دون سبب منطقي أو حتى غير منطقي ..
حرك قدميه ناثراً الرمال هنا و هناك في حركات يائسة كأنها رفسات الموت , كان يحاول أن يرسم بقدميه بعد أن عجز عن الرسم بيديه , لدهشته كان الشكل الذي رسمه جميلاً , ربما جدير بالتصوير كذلك .. لكنه تذكر أنه لا يملك كاميرا ,  لا يملك حتى سعة في عقله كي يخزن الصورة الجميلة .. أي جمال و قد انتهى من حياته كل جمال ؟ و بات عاجزاً أصلاً عن رؤية الجمال ! أي جمال ؟!
وجد نفسه يتشنج و يضغط أسنانه في غل و هو ينثر الرمال كالناقة الغاضبة حتى أن الرمال دحلت في عينيه بقوة كادت تدميها و تخدش سطحها الذي كان يوماً أبيض .. دمعت عيناه قليلاً .. ثم بقوة .. ثم بعنف .. بطريقة لم يفهم معها ما سر كل هذا البكاء ! على الأقل هو لا يزال قادراً على إمتاع نفسه و الاختلاء بها و لو قليلاً , على الأقل سوف يمني نفسه بوجبة يحبها و مكان يعشقه يزوره غداً .. و غداً يحلها الحلال كما يقولون , لا زال لديه أمل رغم كل شئ , لازالت المتع الصغيرة تجدي نفعاً معه , و تفعل فعل المخدر حتى يبتسم في بلاهة منتظراً معجزة من السماء تأتي و تحل مشاكله الكبرى , على الأقل ما زال يملك القدرة على الأمل و الحلم ..رفع ذراعه كي يمسح وجهه و عينيه من الرمال و الدموع على سطح المعطف , لكنه بدلاً من الملمس الصوفي الناعم وجد ملمساً قطنياً مهترئاً ذي رائحة مكتومة .. رمش بعينه لتطالعه الغرفة الضيقة و مروحة السقف التي تصيبه بالصداع و لا تخفف الحرارة .. اكتشف أنه لازال في أواسط الصيف , و أن نتيجة الحائط تشير إلى أكثر شهر يكرهه على مدار السنة , و أنه في غرفته لا يزال عاجزاً عن الإتيان بخطوة بسيطة مثل السفر إلى تلك المدينة التي يحبها .. اكتشف أن أكثر من شهر لايزال يفصله عن الشتاء , و أن محفظته لا تحوي ما يكفي كي يسافر حيث يريد و لو بتذكرة ذهاب فقط .. اكتشف أنه غارق في الدموع و العرق و أنه كان يحلم ..
رفع يده كي يضم ياقة المعطف الوهمية الذي لا بد و أن العثة صنعت منه مفرشاً مخرماً الآن , هرش عنقه و أزاح العرق اللزج , و أغمض عينيه مرة أخرى و نام ...
فقط لو تخرج روحه  من جسده بنفس البطء و النعومة التي كانت الشمس تغيب بهما في حلمه !

الشيماء السيوفي

بدعة البدعة


يؤرقني اليوم سؤال , سؤال و أريد أن يجيبني عليه أحد , أي أحد , بشرط أن تكون اجابة منطقية مقنعة و لا تتسب في رفع ضغط  دمي لأني مش ناقصة !
لماذا يصر بعض المتدينون – أو أشباه المتدينون- على أشياء معينة...؟!
و كلمة أشياء هذه لم تأت اعتباطا أو لأنني لم أجد كلمة أخرى أضعها مكانها , و لكن لأنه لا يوجد فعلا كلمة تسع أو تصلح لوصف كل ما يفعله هؤلاء "المتدينون"!!
الغريب أن كل تلك "الأشياء"  و التي يصرون عليها جميعا ليست منطقية بالمرة و هو أمر واضح لأي طفل , و يمكن لأي واحدة مثلي ,لم تتلق تعليمها في الأزهر مثلا أو في أي معهد ديني و اعتمدت فقط على قراءتها الدينية العامة , أن تنسفها نسفا !
لنأخذ مثلا .. على سبيل المثال لا الحصر :
الاصرار المبالغ فيه أو الغير المنطقي على استخدام اللغة العربية الفصحى...
طبعا سأحاول أن أسيطر على أعصابي , و أن أتحمل العبارات الجارحة التي تسبني غالبا أو تنعتني بأنني متأمركة أو متفرنجة .
أي شخص قد يفسر كلامي على أنني ضد اللغة العربية مثلا . و لكنني – للأسف- سأخيب ظن كل من كانوا ينتظرون الجنازة ليشبعوا لطما و أقول أنني أحب اللغة العربية جدا , ليس فقط لأنها لغة جميلة  قوية معبرة فحسب , و لكن لأنها أيضا لغة القرآن و لغتي الأم...
و أنا معارضة و بشدة لكل المتجهين إلى طريقة التقليد الأعمى و الذي يجعلنا نسخ باهتة لا منطقية من حضارات أخرى . و لكنني أيضا ضد "الفزلكة" و محاولة تعظيم النفس و تحقير الآخرين . ضد الأبراج العاجية التي يضع البعض أنفسهم بداخلها  و القوالب الجاهزة التي يريدون وضعنا نحن فيها .
ضد اللا منطقية و اللامصدقاية التي صرنا إليها.
لماذا – بالله عليكم- يصر أولئك الشيوخ أو الدعاة أو أي شخص تظهر صورته على التلفاز أو سجل صوته على شريط على أن يتحدث بتلك اللغة العربية الفصحى (التي تخرج عن القواعد الصحيحة أحياناً) ؟
طبعا لو سألت أحدهم هذا السؤال سينظر لي بقرف و يرد علي – ان رد- من أنفه قائلا:
" لأنها لغة القرآن و لأننا نتأسى في ذلك بسيدنا محمد عليه الصلاة و السلام"
طبعا كلمة "سيدنا" هذه من عندي لأن الكثيرين من هؤلاء العباقرة يقولون (محمد) فقط باعتبار أنهم وصلوا طبعا إلى المكانة التي تسمح لهم بذلك . عامة هذا ليس موضوعنا , ربما نتطرق إليه فيما بعد و لكن ليس الآن .
نعود إلى موضوعنا...
عندما تأسى أولئك العباقرة بسيد الخلق  عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام لم ينتبهوا إلى نقطة هامة جدا ..
أن سيدنا (محمد) كان يتحدث إلى أصحابه باللغة العربية لأنها كانت- ببساطة- اللغة التي يتحدث بها أصحابه (رضي الله عنهم) .
عندما أراد عليه الصلاة و السلام أن يشرح لهم تعاليم الإسلام شرحها لهم بلسانهم , باللغة التي يفهمونها و بالطريقة التي اعتادوا عليها . لكن ما الذي يدفعنا اليوم إلى التحدث بنفس اللغة و نفس الطريقة ؟!
اذا كانت شريحة كبيرة جدا من المجتمع المصري تتكون من الأميين (للأسف) و تقابلها شريحة أخرى من المتأمركين الذين يفضلون التحدث بالانجليزية أو أية لغة أجنبية أخرى ! اذا كان هذا هو جل المجتمع المصري فمن يخاطب هؤلاء السادة الأفاضل؟!
و حتى لو كانت نسب الأميين و المتأمركين في مصر ليست بالكبيرة , حتى و ان كانت دقيقة صغيرة جدا بل و مجهرية...أليست هاتين الفئتين أجدر الفئات بالارشاد الديني ؟!
تعال معي لنلق نظرة سريعة على الفئتين و ستفهم ما أقصد .
الفئة الأولى : الأميون.. أمي أي لا يجيد القراءة و لا الكتابة . تريد أن تأتي بشخص لا يفك الخط ثم تحدثه بالفصحى و تريده أن يقتنع بكلامك بل و ينفذه , هذا طبعا ان فهمه أولا !
جميل.. جميل جداً.. ربما استطاع البعض الوصول إلى هذا الاعجاز , و كل مشكلتي أنا أن معلوماتي قاصرة بعض الشئ .جائز ,كل شئ جائز , لكنه يصعب علي بعض الشئ أن أتخيل (أم ابراهيم) زوجة البواب تجلس أمام الشيخ الفقيه و تنصت إاليه و هي تهز رأسها استحساناً , ما أتخيله هو أن وجهها في الغالب سوف يتقلص في عدم فهم و هي تلفع (ابراهيم) الرضيع على كتفها و تشيح بيدها الأخرى قائلة :
" يا عم ده بيتكلم بالنحوي...!"
و جملة (أم ابراهيم) تلك تعني شيئين : أولاهما طبعا و الأكثر وضوحا أنها لاتفهم ما يقوله هذا الرجل , أو على الأقل نسبة كبيرة منه . و ثانيهما : و هو معنى في باطن الكلام .."لماذا لا يتباسط هذا الرجل و يكلمنا بطريقة نفهمها ؟"
ربما كانت (أم ابراهيم) ترغب أو لا ترغب في معرفة ما يقوله الشيخ الفاضل لكنها في كلتي الحالتين لن تفهم حرفا .
نأتي للفئة الثانية :المتأمركون , و كلمة متأمرك هذه لا تعني بالضرورة شيئا محددا أو تصف أناس بعينهم , انما هي لفظة أطلقتها مجازا على كل أولئك الذي يستمتعون بالكلام بأية لغة فيما عدا العربية , بعضهم يرى التحدث بالعربية " بيئة" , و البعض الآخر لا يجيد التحدث بها أصلا , في الحالتين فإنه من المستحيل أن تقنع (أيتن) أن تكف عن الثرثرة مع (غالية) قليلا لتستمع إلى فضيلة الشيخ .تلقائيا سيتقلص وجهها أيضا استنكارا و ستشعل سيجارتها بيد بينما تلوح بالأخرى قائلة:
" شيخ مين؟ ده بيقول ايه ده أصلا؟!"
المصيبة أن جمل كهذه اذا وصلت إلى فضيلة الشيخ فهي لن تفعل به سوى أنها ستجعل وجهه يحمر و لحيته الطويلة تهتز و هو يسب و يلعن الجهلة و الفاسقين المارقين العصاة...الـ...الـ...و سينسى تماما أن مهمته هي دعوة الناس إلى الطريق القويم , ومادام يدعوهم إليه فهم في الغالب لا يعرفونه , يعني أنه من المفترض أن ينزل جنابه من برجه العاجي  إليهم قليلا و يحدثهم بطريقتهم كي يصل إلى قلوبهم و عقولهم .
لا أقصد طبعا أن يربط الشيخ رأسه بمنديل و يساعد (أم ابراهيم) في تنقية الأرز , و لا أن يمسك بقداحته ليشعل بها سيجارة (أيتن).
لا أطلب منه أن يمط الكلام مثل (أم ابراهيم) و لا أن يترجم كل كلمة يقولها لـ (أيتن) إلى الفرنسية و لـ(غالية) إلى الانجليزية .
و لكن أطلب منه أن يحدثهم على الأقل بلغة يفهمونها . بالعامية المصرية , و بالطريقة اعتادوا عليها , دون مبالغة و لا اسفاف .
و الا فلمن يوصل كلمته اذن ؟!
اذا كان رأي ذلك الشيخ الفاضل- أيا كان اسمه- أن هؤلاء الناس أكثر جهلا أو غباء أو فسوقا من غيرهم فهم أحق بدعوته و هم أحق أن يحاول اقناعهم , ليس لأننا نطلب منه أن يتذلل لهم لا سمح الله , و لكن لأننا نريد اصلاح المجتمع فعلا , نريد أن نقنع (أم ابراهيم)  ألا تدع أطفالها يجرون حفاة عراة في الشارع , يضربون هذا و يتناوشون مع ذلك , أو يتسلون بخدش السيارات و تحطيم زجاجها. نريد أن نقنع (غالية) أنه لن يضيرها تطويل تنورتها و توسيع قميصها قليلا . ننصحها ألا تضيع وقتها و مالها في التفاهات , أن تكف عن النميمة مع صديقاتها و لو قليلا .
أجل , نقنعهم ,لا مانع أن نقنعهم , لأنهم مقتنعون مسبقا بما يفعلون و لا يرونه خطئاً . ربما لأنهم لا يعلمون و في حاجة إلى التنبيه باللطف و الاقناع , فبالله عليك كيف تقنع شخصا بشئ ما و أنت تتحدث بلسان مختلف عنه ؟؟
و لكن هل تعرف ما هو الأسوأ و الأكثر تأثيرا من اللغة التي تتحدث بها ؟
طريقة كلامك !
أجل طريقة كلامك
لسبب ما يعتبرنا هؤلاء السادة الأفاضل , احم ,حقا لا أدري ماذا يعتبروننا , لأنني أظن أنه حتى الحيوانات لا تستحق تلك المعاملة . ذلك الصراخ الهمجي الغير مبرر بكلام غير مفهوم و الذي يشعرك أنك في الدرك الأسفل من النار .صحيح أنك لا تعرف السبب و لكنك مقتنع تماما أن النار هي مثواك لأنك كنت وغدا حقيرا طوال حياتك . هذا طبعا لو استطعت أن تفهم كلمة واحدة سليمة وسط هذا السيل من الصراخ الذي زادوه سوءا بخاصية الصدى . فصرت و كأنك تسمع الصرخة الواحدة ثلاث أو أربع مرات !
لن أطيل التعليق هنا...تكفيني هذه الآية...
(( لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك))

تريد مثالا آخر؟ شيئا مستفزا آخر يصر عليه "المتديونون"...؟ حسنا..إليك به...
سميته مجازا .."بدعة البدعة".. و السبب وراء التسمية سهل .. تابع معي و ستعرف حالا.........
هل تعرف عندما" يغلب حمارك"؟ أو عندما تعجز عن ايجاد رد مناسب لشخص ما ؟انك في تلك اللحظة تلجأ إلى أي ميكانيزم دفاعي كأن ترفع صوتك مثلا أو تبدأ بالسباب . أو, أن يكون عندك ردا جاهزاً...الشماعة التي تعلق عليها أي معطف يأتيك مهما ثقل وزنه .
هل تعرف ما هو هذا الرد الجاهز؟
إنها "البدعة"!
البدعة ..كل شئ في هذه الدنيا صار بدعة ..أي شئ لا نجد تفسيرا مقنعا لتحريمه يتم نقله تلقائيا إلى خانة البدعة .. و كل بدعة ضلالة .. و كل ضلالة في النار .. و هذا كلامه (عليه الصلاة و السلام) .
نسوا تماما أنه قال (عليه الصلاة و السلام) .. أن البدع هي ما تم استحداثه على أمور الدين , ربما كان فهمي للأمور قاصرا و لكنني استوعبت ذلك على أساس أمثلة مثل .. فرض صلاة سادسة, صيام المحرم بدلا من رمضان .
لكن بعض السادة – و ربما كانوا أفضل مني مكانة عند الله – يضعون أي جديد لا يعجبهم تحت بند البدعة , أي جديد في أي شئ! يعني السيارات بدعة ,أجهزة التكيف بدعة ,الأوراق و الاسطوانات و شاشات التلفاز التي ينشرون بها فكرهم هي في حد ذاتها بدعة ......كيف بالله عليكم ؟! كل شئ جديد في حياتنا بدعة؟ لا مجال للتطور و لا للوصول إلى أي شئ؟؟ معقول؟؟!
أعرف أعرف , سينظرون لي بازدراء , الكبر حرام طبعا لكن هؤلاء السادة مرفعين عن كل شئ كما نعلم جميعا  , و سيشير لي أحدهم بيده في قرف قائلا :
- نحن لا نحرم الا الحرام فعلا ..تلك الفوانيس التي يحتفلون بها في رمضان . .و هي عادة فاطمية شيعية .. أليست بدعة ؟
أولاً : الفوانيس ليست من الدين في شئ و ليست لها علاقة به . نحن لا نمسكها و نحن صائمون مثلا أو نصلي عليها التراويح ! إنها مجرد لعبة يلهو بها الأطفال و يضيئون بها ليالي رمضان . و هي تميز أهل مصر أو أهل الشرق عامة كأي علامة يتميز بها مكان ما ..كالأكلات الشعبية و الأعلام .. هل سنحرمها أيضا ؟!
ثم إن أي خريج صغير من الأزهر يعرف جيداً أن البدع خمسة أنواع : بدعة حرام - بدعة حلال - بدعة مستحبة - بدعة مكروهة - بدعة واجبة .
ربما كانت معلوماتي قاصرة لذا يمكن لأي شخص يرغب في التأكد أن يسأل أي أزهري و سيجيبه .
الخلاصة هي أن ليست كل البدع حرام و هو أمر يعرفه أي شخص درس الدين دراسة سطحية . و هنا نجد سؤالاً يطرح نفسه هو : إذا كانت أقل مراتب الدراسة الدينية في الأزهر تتيح معرفة تلك المعلومة , و إن كنت أنا و أنا لم أدرس في الأزهر أصلاً أعرفها .. فأي دراسة تلك التي تلقاها من يحرمون البدع على الإطلاق ؟؟؟

ان البدعة الحقيقية – من وجهة نظري – هي تصنيف أي جديد في الدنيا على أساس أنه بدعة و أنه ضلالة لمجرد أنه لا يعجبنا...البدعة في رأيي هي "بدعة البدعة"...

الشيماء السيوفي


الاثنين، 26 سبتمبر 2011

سقف الذكريات

ملقى على ظهره كان , ينظر إلى السقف المظلم و قد انطبعت عليه خطوط الضوء الباهتة التي تسربت من خصاص الشرفة , تلك الخطوط التي أظهرت جزءاً بسيطاً من الطلاء المتشقق القديم بفعل الزمن و الرطوبة و أشياء أخرى لا يعرفها , تلك الخطوط التي أعادته فجأة إلى لحظة تفصله عنها عشرون عاماً كاملة , نعم عشرون عاماً بالضبط . كان في بيت جدته و لكنها جدته الأخرى و ليست تلك التي يأويه بيتها الآن . كان وقتها صغيراً جداً , بريئاً جداً , ربما ليس بريئاً جداً فهو لا يذكر أنه كان - في يوم من الأيام - بريئاً جداً ,, فقط كان تعيساً جداً , تعيساً كلوحة جميلة أحيطت بإطار قبيح , تعرف جيداً قدر نفسها و أنها في يوم من الأيام سوف تصبح شيئاً لا يقدر بثمن , فقط لو استبدلوا إطارها الحالي هذا بإطار آخر أكثر ملاءمة . يمكن تلخيص كل ما أسهب في وصفه و تخيله في رأسه في كلمة واحدة بسيطة هي  .. "الأمل" .. الأمل أن الغد دوماً يحمل أشياء أفضل و أجمل بكثير , ربما القليل  من "الغرور" كذلك بما أنه يرى نفسه مستحقاً لتلك الأشياء , ليس بجدارة و لكنه يستحقها أكثر من كثيرين يعرفهم على أقل تقدير  . هكذا كان دائماً يبحث عن السعادة وسط الحزن و يبحث عن الحزن وسط السعادة !
عاد ينظر إلى  خطوط الضوء على السقف مع خلفية من أصوات الشارع و السيارات التي يطغى عليها صوت موتورات أتوبيس النقل العام الضخم , كان ضخماً بالنسبة له و هو صغير و لعجبه فهو لا يزال ضخماً إلى الآن ! تلك التركيبة من نومته فوق سرير قديم و الخطوط على السقف و صوت الأتوبيسات يخلق عنده جواً حميمياً و قشعريرة من الذكريات  , لا يدري إن كانت تلك التركيبة تمثل شيئاً لغيره و لكنها بالتأكيد تحمل  له رونقاً خاصاً  .
راح يقارن بين الماضي و الحاضر , لو أسبل جفنيه و سرح قليلاً لظن أن الزمن لم يمض , لربما حسب أن   خصاص الشرفة عند قديمه و ليس إلى يساره كما هو الحال الآن  , أشياء كثيرة لم تتغير و أشياء أكثر تغيرت .. نفس الظلام و الهدوء  , قديماً كان الظلام بسبب حكم الجدة الصارم التي لا ترتدي إلا السواد و لا  تنام إلا فيه , و رغم خوفه و كرهه له إلا أنه كان يذعن لأنه ما من حل آخر . اليوم تسبح الغرفة في نفس الظلام و لكن بإرادته  و على غير عادته , اختار اليوم كما اختارت الجدة منذ عشرين عاماً أن يغلق باب الغرفة على نفسه فلا يتسرب إلى الغرفة  إلا ضوء "نظارة" الباب و خصاص الشرفة  . كان يقطب و يلعن حظه العثر و هو صغير عندما تطفئ الجدة كل الأنوار  و تندس لتنام بجواره باطمئنان غريب , كيف يطمئن أحد في هذا الظلام ؟ ما أدراه أنه لا يوجد شبح ما يجلس على تلك الأريكة أو يختبئ فوق الدولاب و ربما أسفل السرير ؟! كانت تلك الدقائق الأولى  تمضي كأسوأ ما يكون , يظل يؤنب نفسه أنه وافق على المجئ هنا و المبيت معها بمفرده , هو و هي و العفاريت فحسب ! تمر الدقائق الأولى و تبدأ ملامح الغرفة في التبدي  على  استحياء ,  و يبدأ وقتها في مرحلة التحديق في السقف ذي الخطوط الباهتة المتسربة من خصاص الشرفة .
كان يحب بيت تلك الجدة  ربما أكثر من الجدة نفسها , و هو يشعر الآن بتأثر غريب  لأن ذلك البيت لم يعد في حوزتهم , تأثر لا تشعر به الجدة (صاحبة البيت)  , هو أصلاً لم يرها تأثرت بأي شئ في حياته , ربما بكت مرة أو اثنتين اشفاقاً على نفسها من معاملة أحدهم الخشنة  لها ...
كان يحب بيت تلك الجدة لأنه يقع في منطقة قديمة  على عكس البيت الذي يقطن فيه الآن , كان يحب شرفاته المدورة التي تفتح على أكثر من غرفة  , و إحساس القدم الذي يحبه كلما أصدرت ألواح الأرضية الخشبية  ذلك الصرير الخافت .
أما أجمل شئ في ذلك البيت فقد كانت إطلالته على بيت آخر أمامه يراه من الشرفة , بيت قديم نحت على أعلاه أشكال حيوانات و طيور , لا يزال يذكر شكل ذلك الأسد الرمادي الزائر كأنما يراه بأم عينيه الآن , رباه !
ما الذي اختلف وقتها عن الآن ؟  صوت الأتوبيس كان هادراً أكثر منذ عشرين عاماً   , ربما لأن الموتورات كانت أقدم و ربما لأن أذنه كانت أصغر و أكثر براءة  , و ربما لأن ذلك البيت كان في طابق أدنى من الذي هو فيه الآن . الغريب أنه أحب صوت الأوتوبيسات العالي الغريب , كان يحب سماعها من  عل و يخشى سماعها و هو في الشارع , كأنه يخرج لها لسانه و يقول " ازئري كما تشائين فأنا آمن في فراشي و لن أتواثب على الرصيف خوفاً من أن تصدمني أجسادك الضخمة"
لا , لم يتغير الكثير , هو لا يزال هو , لا يزال يؤنب نفسه بشدة بقدر ما يشفق عليها أحياناً , لا يزال يحمل الأمل و يتشبث به بعناد  , الفارق الوحيد أنه يفهم الآن ما يشعر به و ما يتوجب عليه فعله  .. أما قديماً فهو لم يكن يعرف أي شئ ...


الشيماء السيوفي